حقائق مرة حول الوضع المالي وسياسة تلبيس الطواقي .. الموظف يدفع الثمن
-لا أفق قريب لانفراجة في الأزمة المالية، رهان على المساعدات الاوروبية قد تأتي وقد لا تأتي(حسب اجتماع البرلمان الاوروبي) والصورة لن تتضح قبل شهر أيار المقبل.
-في حالة اكتمال نجاح تجنيد الدعم الاوروبي فإنه يمكن الحديث عن احتمالية استمرار صرف السلطة لـ70% من الراتب، ودون ذلك سيكون الوضع كارثياُ بكل معنى الكلمة، خاصة في ظل انعدام فرص الحصول على تمويل من الجهاز المصرفي، فمجمل الدين الحكومي من البنوك العاملة في فلسطين وصل إلى 3 مليارات دولار،وديون موظفي القطاع العام يناهز الـ2 مليار دولار، أي أن الحكومة وموظفيها حاصلون على نحو 45% من اجمالي التسهيلات الائتمانية الممنوحة.(التسهيلات هي اموال الودائع أي اموال مواطنين).
الخلاصة لن تستطيع الحكومة(وهي تحمل ديناً عاماً يزيد عن 43 مليار شيقل) خلال الفترة المقبلة الاستدانة من القطاع المصرفي ولو دولار واحد، وهذا ما يعني أنه في ظل استمرار اسرائيل في احتجاز أموال المقاصة(53 مليون شيقل شهريا رواتب الأسرى وأسر الشهداء، وقرابة 270 مليون شيقل نظير الرواتب المحولة لقطاع غزة)، وكذلك تراجع إجمالي الضرائب بسبب تداعيات الحرب فإن ما يصل من أموال المقاصة لا يتجاوز 35% من إجمالي فاتورة ضريبة المقاصة قبل الحرب، ولذلك نحن مقبلون على الأغلب على أشهر عجاف وأكثر قسوة. أفضلها هو استمرار الحكومة الحالية في دفع نسبة 70% (بعد تلبيس طواقي مثل أخذ مستحقات من شركة كهرباء التي ستحصل على قرض بقيمة 600 مليون شيقل لتسديد ما عليها من ديون نظير خصم اسرائيل مستحقات الشركات الاسرائيلية من أموال المقاصة التي حولت للصندوق النرويجي بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة، وكذلك الحصول بشكل مبكر على ايرادات ضريبية من الشركات الكبرى).
-صدور القرار بقانون بشأن تنظيم آجال القروض وأقساطها ودفعات التأجير التمويلي، له دلات مهمة جدا، وهو يعني فشل امكانية منح قرض مجمع جديد للحكومة لتسديد بعض مستحقات الموظفين، ما يعني أنه لا يوجد بالمطلق إمكانية دفع راتب كامل أو تسديد جزء من المستحقات خلال العام 2025، والتي وصلت إلى قرابة 8 رواتب، هذا التوجه جعل الموظف المقترض في مواجهة مباشرة مع البنوك بتحويل الأقساط المتراكمة عليه إلى جدولة مقابل فوائد إضافية بقيمة 4.20%، أو تحويل المبلغ إلى قرض جديد لنهاية القرض الأول بنسبة فائدة متروكة للتفاهم بين المقترض والبنك(طبعا ستكون أكثر من 4.20% التي نص عليها القرار بقانون). ماذا يعني ذلك؟
الموظف الذي كان البنك يخصم عليه نسبة من القرض حسب نسبة الراتب المحولة، أصبح عليه أقساط متراكمة غير مسددة، وهو مجبر وفق القانون على تسديدها، إما بإعادة جدولتها او بمنحه قرض لنهاية القرض الأول، ولتقريب الصورة أكثر:
-نفترض أن موظف عليه أقساط متراكة قيمتها 10 آلاف شيقل، فإن قيمة الفائدة ستختلف حسب مدة القرض، فمثلا لو كانت مدة القرض 15 سنة فإنه سيدفع قسطاً شهرياً إضافياً عن القسط الأصلي بقيمة 74.98 شيقل وعلى مدار مدة القرض الـ15 سنة سيدفع مبلغا إجماليا قيمته 13.489 شيقلا أي قيمة فوائد فقط على الأقساط غير المسددة قيمتها 3489 شيقلا، ولو كانت مدة القرض 10 سنوات فإن القسط الشهري سيكون 102 شيقل أي أنه سيدد مبلغا بعد مرور 10 سنوات قيمته 12240 شيقلا، أي أن مبلغ الفوائد سيكون 2240 شيقلا، وإذا كان القرض الأصلي متبقي عليه 5 سنوات فإن قيمة القسط الشهري ستزيد بـ185 شيقلا اي أن المبلغ الزائد(فوائد فقط على تقسيط الأقساط المستحقة) سيكون 1100 شيقل، ولو كانت مدة القرض عامان فإن القسط الشهري الزائد سيكون 435 شيقلا، أي قيمة اجمالي الفائدة على الـ10 آلاف شيقل غير المسددة ستكون 872 شيقلا.
في حالة رفض الموظف لذلك، فإن قيمة الأقساط ستتحول حتما إلى قرض جديد يبدأ تسديده بعد نهاية القرض الأصلي، طبعا بفائدة اعلى من (4.20%).
خلاصة الأمر، صحيح أن الأزمة المالية طاحنة وجزء من أسبابها سياسي، سواء تراجع المساعدات أو القرصنة على أموال المقاصة، ولكن جزء كبير منها كذلك يتعلق بكيفية إدارة الموارد المالية خاصة فيما يتعلق بالتعيينات والترقيات، فرغم كل المطالبات (محلياً ودولياً) لتخفيض فاتورة الرواتب غير أنها ظلت تتضخم عاما بعد عام، حتى في ظل الحكومة الحالية التي رفعت لواء الاصلاح مازالت التعيينات والترقيات متواصلة، والموظف الذي منذ قرابة 5 سنوات يقرأ في نهاية البيان الصحفي الشهري لوزارة المالية(وتبقى المستحقات في ذمة الحكومة) أصبح بالنسبة إليه بمثابة إعلان نعي "في ذمة الله"، فلا أفق لصرف المستحقات، بل لا أفق حتى لصرف راتب كامل، وما تتحدث عنه الحكومة من عدالة اجتماعية إنما هو نهش للفئة الوظيفية الوسطى التي ليست فقط لم تعد قادرة على الحصول على مستحقاتها، بل سيترك مصيرها لذمة البنوك. هي تلبيس طواقي، فالحكومة تستدين من البنوك(الودائع هي أموال مواطنين يديرها الحهاز المصرفي)، والحكومة تستدين من الموظف(رواتب غير مسددة ودون فوائد)، والفائدة يلبسها الموظف، والايرادات العامة تتراجع في ظل انخفاض السيولة النقدية نتيجة صرف رواتب منقوصة، وتستمر العجلة بالدوران بصعوبة دون إمكانيات للمعالجة في ظل استمرار المعطيات المالية الحالية، ودون وجود إصلاح حقيقي في إدارة المال العام وفي مقدمتها فاتورة الرواتب. السفينة مالياً تغرق هذه هي الحقيقة. سياسة "تلبيس الطواقي" لن تسعف للاستمرار على هذا المنوال لفترة طويلة، وفي ظل الظروف السياسية القائمة فإن الوضع يبدو أكثر صعوبة وتعقيداً.
الموظف المقترض وخاصة من الفئة الوسطى، سيكون في وضع كارثي يدفع فيه ثمن سياسات أدت إلى عدم تلقيه للراتب، ليس بسبب عدم صرف مستحقاته فحسب، بل لأنه سيكون مرغماً كذلك على دفع فوائد إضافية لتمكينه من تسديد ما عليه من أقساط متراكمة.